تعز تتصدر المشهد: لقاء تشاوري موسع يعيد الحياة إلى جسد المقاومة الشعبية في اليمن. || موقع مبادرة اقليم الجند

في لحظة فارقة من تاريخ اليمن المعاصر، احتضنت مدينة تعز لقاءً تشاوريًا وطنيًا غير مسبوق، نظمّه المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، وضمّ مجالس المقاومة الشعبية من مختلف المحافظات اليمنية، في حدث اعتُبر الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب، ليعيد رسم خارطة الطريق نحو معركة التحرير واستعادة الدولة، في ظل ما وصفه المنظمون بـ"حالة الجمود والتيه" التي تخيم على المشهد الوطني.

بمشاركة قيادات ميدانية وسياسية وشخصيات من السلطة المحلية، افتُتح اللقاء الذي وصفه كثيرون بأنه يمثل نقطة انطلاقة جديدة للمقاومة اليمنية، على المستويين السياسي والعسكري. وتأتي رمزية عقده في مدينة تعز – المدينة التي واجهت ببسالة المشروع الحوثي الكهنوتي – لتؤكد أن تعز لا تزال قلب اليمن المقاوم ونقطة الضوء في نفق الحرب الطويل.

في كلمة عبر الاتصال المرئي، شدد الشيخ حمود سعيد المخلافي، رئيس المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، على ضرورة استعادة زمام المبادرة، داعيًا إلى البحث في أنجع الآليات لتفعيل دور المقاومة والارتقاء بأدائها، لتكون على مستوى التطلعات الشعبية. وأكد المخلافي أن "الإيمان المطلق بحق الشعب في الحرية هو حجر الأساس في معركة استعادة الدولة"، مشيرًا إلى أن لحظة المواجهة مع الانقلابيين قادمة لا محالة، وعلى الجميع الاستعداد لها سياسيًا وميدانيًا.

من جهته، أكد محمد عزام، الأمين العام للمجلس، أن اللقاء جاء استجابة لحالة الانسداد السياسي والعسكري، وحرصًا على كسر الجمود الذي عطّل حركة المقاومة الشعبية. وشدد على أن الحكومة الشرعية لن تتمكن من إنجاز مهام التحرير دون احتضان شعبي واسع، داعيًا إلى وحدة الصف وتكامل الجهود.

اللقاء لم يكن مجرد حدث رمزي، بل جاء بعد شهر كامل من الورش والنقاشات المكثفة على مستوى مجالس المحافظات، أثمرت عن وثائق ورؤى متكاملة شملت الإصلاح المؤسسي للمجلس الأعلى للمقاومة، وتصورات عملية لمجابهة التحديات الراهنة. وخرج اللقاء بخارطة طريق اعتبرها المشاركون "منطلقًا عمليًا لمرحلة جديدة من العمل الوطني تحت مظلة وثيقة العمل الداخلي للمجلس".

البيان الختامي للاجتماع شدد على أن الحل الجذري لأزمات اليمن يكمن في إنهاء الانقلاب الحوثي ونزع سلاح الميليشيات. ورفض البيان أي حلول ترقيعية في ملف البحر الأحمر أو غيره، معتبرًا أن هذه المعالجات الجزئية تزيد المشهد تعقيدًا، ولا تصب في مصلحة استقرار اليمن أو الإقليم.

وأكد البيان على حق المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية في الإسهام في تقرير مصير الوطن، سواء عبر المسار السلمي أو بالمواجهة، ودعا إلى إطلاق مبادرات وطنية خلاقة لتوحيد الصفوف وإنهاء الانقلاب، مع تعزيز التنسيق بين مختلف مكونات المقاومة في الداخل والخارج.

وشهد اللقاء حضورًا لافتًا للمرأة اليمنية، حيث ألقت أوسان محمد سعيد كلمة باسم المرأة، شددت فيها على أهمية إشراك النساء في جميع مراحل النضال، مشيرة إلى أن لا نصر دون المرأة، ولا تحرر دون مشاركتها في القرار والميدان. كما دعت إلى تجفيف منابع الفساد وبناء الوعي الشعبي كحجر أساس لهزيمة المشروع الحوثي.

وأكد اللقاء كذلك على دور الشباب، داعيًا إلى تمكينهم في مؤسسات الدولة والمجتمع، لما يمثلونه من طاقة تغيير حيوية في مسيرة التحرير والبناء.

في كلمة السلطة المحلية، رحب اللواء عبدالكريم الصبري، وكيل محافظة تعز لشؤون الدفاع والأمن، بالقيادات القادمة من مختلف المحافظات، مشيدًا بدور المقاومة في تشكيل نواة الجيش الوطني. فيما عبر اللواء محسن خصروف عن سعادته لوجوده بين "رجالات وقيادات اليمن المقاوم"، معتبرًا اللقاء تشخيصًا صادقًا للمرحلة، وبداية استعادة البوصلة الوطنية.

ناقش المشاركون كذلك أهمية بناء عقد اجتماعي عادل، يتجاوز الانقسامات الجغرافية والمناطقية، ويؤسس لدولة مدنية حديثة تقوم على العدل والمساواة، دون إقصاء أو تمييز. ودعوا إلى اصطفاف وطني حقيقي، يجعل من إنهاء الانقلاب الحد الأدنى لأي شراكة سياسية مستقبلية.

أشاد البيان بدور الإعلام الوطني والأقلام الحرة في معركة التحرير، مطالبًا بتوحيد الخطاب الإعلامي الوطني نحو هدف استعادة الدولة، ومؤكدًا أن المعركة الإعلامية لا تقل أهمية عن العسكرية والسياسية.

ولم يغفل اللقاء البعد الإنساني العربي، حيث أدان بشدة المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في غزة، مطالبًا بتحرك دولي عاجل، ووقف التواطؤ الغربي والصمت العربي.

اللقاء التشاوري الموسع لمجالس المقاومة الشعبية في تعز لم يكن مجرد اجتماع اعتيادي، بل محطة فارقة تُعيد الاعتبار للمقاومة كرافعة وطنية في معركة استعادة الدولة اليمنية، وتبعث برسالة واضحة: أن معركة التحرير لم تنتهِ، وأن شعب اليمن لا يزال يمتلك الإرادة، والمقاومة لا تزال تنبض بالحياة.