• الرئيسية
  • حوارات
  • إقليم الجند، بما يمتلكه من تاريخ ثقافي وثراء تراثي، يُعدُّ من الأقاليم اليمنية ذات الإمكانيات الكبيرة في إعادة إحياء دورها كمركز إشعاع ثقافي وفني وأدبي

إقليم الجند، بما يمتلكه من تاريخ ثقافي وثراء تراثي، يُعدُّ من الأقاليم اليمنية ذات الإمكانيات الكبيرة في إعادة إحياء دورها كمركز إشعاع ثقافي وفني وأدبي

Email :

لمبادرة إقليم الجند: أجرت المقابلة/ إيناس العبسي

لمياء يحيى عبد الرحمن الإرياني، حاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال وعلوم سياسية من جامعة صنعاء، وبكالوريوس علوم كمبيوتر وإدارة عامة من جامعة الكويت. حاصلة على ماجستير حقوق الطفل من الجامعة اللبنانية في بيروت، وهي أول امرأة في الخليج والجزيرة العربية تنال هذه الشهادة، وعلى دبلوم في تنمية الطفولة المبكرة من جامعة فكتوريا بكندا. شغلت منصب وكيل وزارة التعليم الفني لقطاع تعليم الفتاة، كما شغلت منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة.
تعمل حاليا رئيسة منظمة مدرسة السلام، وهي عضوة اللجنة العربية لحقوق الطفل، وعضوة في إعداد الاستراتيجية الوطنية للطفولة والشباب، وعضوة مراجعة الاستراتيجية الوطنية للطفولة المبكرة باليمن، بالإضافة إلى عضويتها في عدد من التكتلات والشبكات المعنية بالمرأة والسلام وطنيًا وإقليميًا. قاصة وروائية ولديها ستة إصدارات منها ثلاث روايات حازت إحداها على جائزة الدكتور عبدالعزيز المقالح.

أهلاً بك أستاذة لمياء معنا في هذا الحوار....
كيف نشأت الروائية لمياء الإرياني... ومتى كسبت الحضور الأدبي؟

لقد نشأت في بيئة ثقافية واجتماعية محفزة، فأنا من أسرة تهتم بالأدب والشعر، وتشجع أفرادها على ذلك. كما أنني بسبب عمل والدي في السلك الدبلوماسي كسفير قد تنقلت في عدد من الدول التي اكتسبت منها عادات وثقافات متنوعة جعلت مني شخصية منفتحة على الاختلافات، وكان لهذا الاغتراب عن بلدي دوره المبكر في اهتمامي بالشعر والأدب. ورغم أنني كتبت الشعر والقصص من فترة مبكرة من حياتي، إلا أنني لم أصدر شيئًا إلا قبل خمسة عشر عامًا فقط، كما أن طبيعة عملي الذي امتهنته مع تنوعه بين الجانب الرسمي السياسي والجانب الإنساني خلق نوعًا من التفاعل بين العمل الأدبي والإنساني منحني رؤية أوسع وعمقًا إنسانيًا في كتاباتي.
أصدرت عدة مؤلفات أدبية، منها مجموعات قصصية مثل "إليك همس ثرثرتي" و"ثرثرة حنين"، و"قصاصات من أوراق العمر" وروايات مثل "امرأة ولكن" التي حازت على جائزة الأديب الدكتور عبد العزيز المقالح، و"ثورة مهيوب" التي تناولت أحداث الثورة اليمنية من خلال شخصية "مهيوب" ورواية "زمن الشتات"
تميزت رواياتها بالتركيز على قضايا المرأة والمهمشين، واستخدام أساليب سردية مبتكرة تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي.

ماذا تعني لك مدينة إب بما يخص العمل الأدبي والروائي؟

رغم أنني لم أولد في محافظة إب، ولم تكن مسرحًا لطفولتي أو ذكرياتي الأولى، إلا أن حضورها في وجداني الأدبي كبير لأنها ليست مدينة عابرة، بل مكان يفرض جماله على القلب والعين معًا، وبالتالي يحفز ملكة الكتابة.
إب بالنسبة لي، هي مصدر إلهام بصري وروحي، كل مشهد فيها يحمل قصة، وكل صباح فيها يصلح أن يكون افتتاحية لرواية، روحها الساكنة في التفاصيل، جعلت أجمل الأقلام تنطلق منها.. ويكفي أن أذكر زيد مطيع دماج، فهي تمنح للكاتب من هدوء ما ينضج الخيال، ومن بيئة ما تُغني اللغة.
في الأدب، لا يشترط أن نكون من المكان لننتمي إليه، بل أن نجد فيه ما يُشبهنا أو يحرّك فينا الرغبة في الكتابة، وإب، بهذا المعنى، وطن سرديّ ألوذ إليه كلما احتجت إلى مشهدٍ يوقظ الحبر في قلمي.

امرأة ولكن، ثورة مهيوب، وزمن الشتات ...هل يمكن أن تحدثينا عنهم؟

"امرأة ولكن " هي التجربة الروائية الأولى لي، كتبتها على مدار عام ونصف العام، وحملتها بيدي إلى معلمي ومرشدي الدكتور عبد العزيز المقالح، وبعد أسبوع عدت إليه لأعرف انطباعه فاستقبلني بكلمته: (بديييييع)، كانت هذه الكلمة بالنسبة لي حافزًا لعدم التوقف، امرأة ولكن، قصة رمزية تتحدث عن كل التحديات والصعوبات التي تواجه النساء بالجانب الاقتصادي والاجتماعي وأيضًا السياسي، ولا شك أن طبيعة عملي كانت واضحة فيها، هذه الرواية فازت بجائزة الدكتور عبد العزيز المقالح وكانت أجمل مفاجأة في حياتي.
"ثورة مهيوب"، أنا كتبتها بعد اندلاع ثورة الشباب في 2011 بحوالي ثلاثة أشهر، أكملتها بعد حوالي سنتين أو أكثر، حاولت من خلال شخصية مهيوب أن أجسد، ماذا كانت أهمية الثورة بالنسبة للشباب؟
مهيوب، هو يمثل صورة غالبية المجتمع اليمني، المجتمع بكل تفاصيل حياته، ظروفه المادية صعبة،
مستوى الوعي عنده، لا أقصد التعليم، مستوى الوعي، والفكر عنده ضعيف، وشبهت العمارة التي كان ينام تحتها مهيوب بالوضع الذي كان موجودًا في الساحة. بشكل رمزي طبعًا. وجسدت أيضًا الصراع النفسي الذي كان موجودًا عند كثير من الذين شاركوا في الثورة ما بين رغبتهم للتغيير، وخوفهم من آثار هذا التغيير بالطريقة التي تمت، من قرأ ثورة مهيوب يلاحظ أن مهيوب كان متحمسًا للثورة ويريد التغيير، وكان فاهمًا وشاعرًا أنه كشخص فقير هو أكثر شخص يحتاج لهذه الثورة، لكن في نفس الوقت هو تربى على "أبو علي كما كانوا دائمًا يعلموننا في المدارس، أبي علي أبي علي 33 سنة من عمره"، يعني لا يعرف شيئًا غير علي، فبالتالي كان هناك الخوف من المجهول، الخوف من الذي قادم
وكان هذا أيضًا يسبب له نوعًا من الصراع النفسي، وهذا كان حال كثير من الشباب، حتى الذي هم متحمسون العكس، درجات الحماس وفعلاً. في النهاية رأينا أن الثورة صادفها كثير من المخاطر ومن انقضاض الأحزاب السياسية عليها، بالتالي لم تستطع أن توصل للبر الذي كان المفروض أنها توصل له، والذي كان فعلاً سيعمل على دولة يمنية حديثة، مدنية.

"زمن الشتات" رواية ذات بعد سياسي إنساني تتحدث عن واقعنا اليوم وتسرد تجارب إنسانية في زمن الحرب مع العودة في تفاصيلها إلى الماضي الخاص ببطل الرواية، كتبتها عن قصة واقعية، واكتشفت من خلالها أن كتابة قصص حدثت بالفعل تتطلب تقنية مختلفة، لذا أعتقد أنني تعلمت من هذه الرواية الكثير.

هل وصلتي لمرحلة الرضا لما كتبتي من أعمال روائية؟

الرضا في العمل الأدبي هو شعور نسبي ومتجدد، أحيانًا أشعر بالامتنان لما كتبته، وأجد في بعض النصوص ملامح من نضجي وتطوري، لكن ككاتبة، يبقى لدي دائمًا ذلك الإحساس بأن ما هو قادم يجب أن يكون أصدق، أعمق، وأكثر تفرّدًا، ذلك أن الأدب بالنسبة لي ليس نقطة وصول، بل رحلة مستمرة من الاكتشاف.
أنا راضية عن الشغف الذي يدفعني للكتابة، عن الالتزام الذي أحاول أن أكون عليه، وعن كل نص جعل قارئًا يتوقف ويتأمل لكنني لا أؤمن بالوصول التام، لأن كل عمل جديد هو فرصة لإعادة السؤال، لا إعلان الإجابة
الكاتب الذي يرضى تمامًا يتوقف عن التعلّم، وأنا ما زلت أتعلم.
أنا ربما فقط غير راضية عن كسلي خلال السنوات الأربع الأخيرة.

ماهو تقييمك للأدب اليمني والعربي والعالمي؟

الأدب اليمني يمتلك جذورًا ضاربة في عمق التاريخ، فمن أرض اليمن خرجت أولى الكتابات الشعرية في العصر الجاهلي، ومن بيئته تشكلت صور شعرية وبلاغية لا تزال حيّة في الذاكرة العربية، ومع ذلك، حين نقيّم الأدب اليمني الحديث والمعاصر، نرى أنه رغم غناه الداخلي وتنوع أصواته، إلا أنه ظل إلى حد كبير محصورًا داخل حدود الجغرافيا والسياسة.
في العقود الأخيرة، شهد اليمن نهوضًا روائيًا وقصصيًا متناميًا، خاصة في تسعينيات القرن الماضي وما بعد الوحدة اليمنية، حيث برزت أسماء شابة وأخرى مخضرمة استطاعت أن تقدم أدبًا يعكس تعقيدات الواقع اليمني، مثل الحرب، الهوية، الفقر، الطبقية، والهجرة، وبرزت في هذا السياق أقلام مثل وجدي الأهدل، علي المقري، زيد مطيع دماج، وآخرين، هؤلاء الكتّاب قدّموا أعمالاً ذات قيمة فنية وإنسانية عالية، واستطاع بعضهم إيصال صوته خارج اليمن عبر الترجمة أو الجوائز الأدبية، خاصة مع المشاركات مؤخرًا بالمهرجان الكتاب في عدة دول.
بالنسبة للأدب العربي فهو يشهد تنوعًا في الأصوات والمواضيع، ويتطور مع الجيل الجديد، لكنه لا يزال يصطدم أحيانًا بسقوف رقابية ومحدودية الترجمة التي تعيق انتشاره عالميًا، وأعتقد أن الأدب المصري تحديدًا كان له تأثير على الأقلام اليمنية.
أما عالميًا فيتميز بالتنوع والانفتاح على التجريب والحرية، استطاع أن يخلق تأثيرًا عابرًا للثقافات بسبب توفر منصات النشر والدعم، لكنه لا يخلو من هيمنة ثقافية غربية تطغى أحيانًا على أصوات الشعوب الأخرى.

ماهي الروايات التي كانت ملهمة لك؟

هناك روايات شكّلت نقطة تحول في وعيي الأدبي، ليس فقط لأنها أعمال فنية عظيمة، بل لأنها لمست شيئًا عميقًا بداخلي، وأيقظت فيّ رغبة الكتابة والبحث عن صوتي الخاص، منها:
• "الرهينة" لزيد مطيع دماج، كانت أول رواية جعلتني أرى اليمن كحكاية قابلة لأن تُروى عالميًا، فيها عبق التاريخ والواقع، وفيها صوت يمني واضح دون تجميل، وهذا ما ألهمني أن أكتب بلهجتي، بقضاياي، دون خوف من محلية الفكرة.
• "مئة عام من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز ، عرّفتني على فكرة أن الرواية ليست فقط قصة تُحكى، بل كون كامل يُخلق، الواقعية السحرية فيها دفعتني للتفكير بطرق سرد جديدة، حيث يمكن للأسطورة أن تجاور الواقع دون أن تفسده.
• "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي، فتحت أمامي باب اللغة، كيف يمكن للكلمة أن تكون شعرًا حتى وهي تروي ألمًا، هذه الرواية جعلتني أؤمن أن الكتابة ليست فقط مضمونًا، بل موسيقى داخلية وصوت خاص لا يُقلد
لكل رواية منها أثر مختلف: واحدة شكّلت علاقتي بالوطن، وأخرى بالتقنية السردية، وثالثة باللغة.

تخصص سياسة وماجستير حقوق الطفل كيف ربطتي بين هذا والكتابة؟

رغم أن دراستي الأكاديمية كانت في العلوم السياسية، ثم تخصصت لاحقًا في حقوق الطفل، فإنني لم أكن يومًا بعيدة عن عالم الحكاية والكتابة، السياسة منحتني فهمًا أعمق للبُنى التي تحكم المجتمعات، والحقوق فتحت عيني على الهشاشة الإنسانية، خاصة حين يتعلق الأمر بالأطفال والفئات المهمشة والنساء.
هذا التراكم المعرفي لم أضعه جانبًا حين كتبت، بل على العكس، أصبح جزءًا من نسيج رواياتي، وأصبحت أكتب وأنا أعي المعاناة لا بوصفها عاطفة فقط، بل كمنظومة ظلم يمكن تفكيكها بالكلمة والفكرة.
الكتابة بالنسبة لي ليست هروبًا من السياسة والحقوق، بل هي استكمال لهما، ولكن بلغة أخرى... لغة تجعل القارئ يشعر بدل أن يحلّل فقط، يتعاطف بدل أن يحكم، ويتذكر بدل أن ينسى.

هل كان لتخصصك في حقوق الطفل أثر كبير على كتاباتك ورواياتك؟

نعم، كان لها أثر عميق، بل يمكنني القول إنها غيّرت نظرتي للكتابة كليًا، عندما درست حقوق الطفل، لم أكن أواجه القوانين فقط، بل واجهت الواقع… واقع الطفولة المنسية، المغيبة، المهمشة، ورأيت الأطفال في الحروب، في الشوارع، في البيوت المغلقة على الألم، فشعرت أن من واجبي ككاتبة ألا أمرّ على هذه الصور بصمت..
بدأت أكتب بعينٍ أكثر وعيًا، لا تبحث فقط عن الحكاية، بل عمّا وراءها من وجع أو حرمان أو صوت لم يُمنح فرصة التعبير، حتى عندما لا تكون الشخصيات الرئيسية في رواياتي من الأطفال، فإن أثر الطفولة حاضر فيها: في هشاشة الشخصية، في الخوف، في الأحلام المؤجلة.
حقوق الطفل لم تكن بالنسبة لي ملفًا دراسيًا فقط، بل كانت مرآة أرى فيها المجتمعات من جذورها، ولهذا، تجدين في كثير من كتاباتي صدى لتلك القضايا- الطفولة، النساء، العنف الصامت، والفقد المبكر… الحرب والسلام لأنها ليست قضايا ثانوية، بل هي جذور الإنسان التي إن كُسرت، اختلّت فروعه كلها.

هل الرواية هي من صنعت شخصيتك أم أن شخصيتك هي من منحت الرواية مكانة وحضورًا؟

أعتقد أن العلاقة بيني وبين الرواية ليست علاقة صانع ومصنوع، بل علاقة تبادلية فيها التأثير متبادل، فشخصيتي بتكوينها الفكري والإنساني وتجربتي الحياتية، هي التي منحت الرواية صوتها الخاص، وجعلتها تنبض بشيء يشبهني… لكن في المقابل، الرواية من جهتها منحتني أدوات لفهم ذاتي بشكل أعمق، وفتحت لي نوافذ كنت أجهل أنها موجودة، ربما كانت شخصيتي هي من اختارت الرواية، لكنها حين دخلت عوالمها، تغيّرت وتوسّعت، لم أعد أرى نفسي فقط كما أنا، بل كما يمكن أن أكون، وكما يمكن للآخرين أن يشعروا بي.
الرواية لم تكن مرآة لي فقط، بل أيضًا منصة، وأنا بدوري، لم أكتبها من أجل الظهور، بل من أجل الصدق، فجاء الحضور نتيجة، لا غاية.

هل يمكن أن تحدثينا عن جائزة الدكتور المقالح عن روايتك امرأة ولكن؟
تشرفت بنيل جائزة د. عبد العزيز المقالح عن روايتي "امرأة ولكن"، كانت لحظة مهمة جدًا في مسيرتي الأدبية، خاصة أن الدكتور المقالح يُعد من أعلام الأدب اليمني والعربي، وذو تأثير كبير في المشهد الأدبي، فكان التكريم بالنسبة لي ليس مجرد تشجيع أدبي، بل شرف شخصي أضاف لي الكثير من القوة والدافع للاستمرار في الكتابة.
"امرأة ولكن" هي رواية تدور حول قضايا المرأة والهوية والنضال الشخصي في مواجهة التقاليد والصعوبات الاجتماعية، منحني هذا التكريم دفعة قوية، ليس فقط على المستوى الأدبي بل على المستوى الشخصي أيضًا، حيث شعرت أنني قد تمكنت من التعبير عن جزء من معاناة النساء التي لطالما كانت يُسكت عنها في المجتمعات. جائزة الدكتور المقالح جاءت لتؤكد لي أن الأدب له القدرة على التغيير، وأن الكلمة المكتوبة قد تصبح صوتًا مسموعًا، حتى في الأماكن التي قد تشعر فيها المرأة بأنها غير مرئية، وهذا التكريم كان بمثابة اعتراف بكل الجهود التي بذلتها لتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية التي كنت أرغب في معالجتها بأسلوب أدبي.

حاليًا أنت منشغلة.. بكتابة مجموعه قصصية .... هلا تحدثينا قليلاً عنها؟

في المجموعة القصصية الأخيرة التي أنا معتكفة على كتابتها الآن، اخترت أن تكون مجموعة قصصية وليست رواية، لأني أحببت من العنوان (يحدث في زمن الحرب)، أن أتناول بعض القضايا المختلفة لأثر الحرب على المجتمع اليمني في مناطق جغرافية متعددة، وبالتالي كانت فكرة القصص القصيرة بالنسبة لي أفضل ، وتعطيني حرية ومساحة واسعة لاختيار المواضيع وتنوعها، كتبت إلى الآن حوالي خمس قصص قصيرة، لكن أريد أن أوصلهم للعشر، حيث إن المجموعات تكون متنوعة أكثر، وفي نفس الوقت أنا ضد أن تكون كبيرة إلى أن تصبح مملة، حتى الروايات لو لاحظتي ، الروايات مؤخرًا أصبحت لا تتجاوز 200 صفحة أو 150 صفحة، لأن الناس للأسف الشديد صارت لا تقرأ كثيرًا، ولو قرأت تحب أن يكون قصيرًا لتنهيه سريعًا ، أنا في هذه المجموعة الخصوصية تحدثت بلسان الجميع. بلسان النساء، بلسان الأطفال، وبلسان الشباب الذين حرموا من مستقبلهم ومن واقعهم.، أتحدث أيضًا بلسان السياسة، لأننا لانستطيع أن نكون منفصلين عن السياسة، لأننا في حالة حرب، والحرب سياسة. بالتالي، أنا أتحدث عن السياسة، ولكن بدون التعبير عن وجهة نظر معينة، لأنني كامرأة تدعو إلى السلام، أقف على مسافة متساوية من كل الأحزاب السياسية الموجودة في اليمن وأطراف الصراع، ولا أعبر عن رأي جهة معينة على الإطلاق، أنا أؤمن أننا كدعاة سلام، يجب أن نسمع للجميع، ويجب عندما نتحدث في قصصنا ورواياتنا عن رغبتنا في السلام، ألا نغفل أيضًا عن الجانب السياسي، لأن هذا واقعنا. ولكن نركز على الجانب الاجتماعي، الجانب الثقافي، لأن الكلمة هي أداة تغيير.، السياسة أداة تغيير، لكن يمكن القول إنها أداة مدمرة. بينما الكلمة أداة تغيير. لكن أكيد بناءة، وقد تكون الكلمة في بعض الأحيان مدمرة على فكرة، لكن نحن كأدباء، وعفوًا هناك فقط ملاحظة للتوضيح أن هناك فرقًا بين الإعلاميين والأدباء، الإعلاميون عندهم ذاك الحماس الذي يتوجهون مثلاً بفكر معين قد تكون كلمته حادة، ممكن تفجر خلافًا معينًا، لكن الروائي والأديب والقاص وغالبًا ما يكون. إنسانا ً، الإنسان فيه قول، والرغبة إلى السلام والاستقرار عنده قوية، وبالتالي هو من خلال القلم. والكتابة، يحاول أن يحقق الاستقرار في البلد، وهذا الذي نحن محتاجون له، ففي مجموعتي القصصية نتحدث عن معاناة عشر سنوات لهذه الحرب وهي ليست قليلة، وأبشع أنواع المعاناة في اعتقادي هو أن نعتاد على الحرب وهذه كارثة أن تتعود على الحرب، هذه كارثة، يعني في بداية الحرب كنا إذا سمعنا أول قصف كانت ردود أفعال الناس قوية، خوف، هلع قد يصل إلى الإغماء. أما الآن عندما يحدث قصف، ردود الفعل اختلفت، بعدها ب3دقائق تجدين الناس منهم من يخرج لحضور عرس، ومن يخرج للعمل، ومن يتبضع، والشباب بالشوارع وهذه كارثة. لأنه عندما نألف الحرب لن نقاوم وستستمر دون حل لها.




هل القصص صارت أقرب للقارئ من الرواية.. لماذا برأيك؟

للأسف الشديد ظهور (Social Media) السوشيال ميديا والكتابات القصيرة في التويتر والتي تكون عبارة عن شذرة، عودتنا على عدم الصبر للأسف الشديد. بمعنى أن الرواية تريد صبرًا، تريد وقتًا، ونحن في عصر لا يوجد فيه وقت، فصارت القصص القصيرة أنا برأيي مطلوبة أكثر من الناس، لأنها توفرلهم وقتًا وسرعة، أنا ممكن مثلاً في المجموعة القصصية أقرأ قصة اليوم وقصة ثانية بعد حتى أسبوعين، لكن الرواية يجب إكمالها لأنها متسلسلة ومتتابعة "ويجب أن تكون في المود"، يعني والوقت والزمن والعصر الذي نحن فيه عصر السرعة في كل شي، لذلك أكيد أن القصة القصيرة صارت أكثر احتياجًا عند الناس وأسهل حتى في التعبير.

من وجهة نظرك ماهو أثر الاغتراب والهجرة على الثقافة والأدب اليمني؟

هجرة الفكر اليمني، أنا بوجهة نظري معضلة. برغم أن الاغتراب يخلق حالة من الألم. يمكن تفتح الملكات للكتابة، لكن بتفصل. الشخص عن الواقع الحقيقي في بلده. يعني أنا مثلاً عايشة في اليمن منذ بداية الحرب لم أخرج. وعشت تفاصيل التفاصيل للحرب. ولم أكتب طوال سنوات الحرب الأخيرة، عندما اغتربت (الاغتراب، والشعور بأني لست ببلدي)، تحركت عندي رغبة الكتابة، لكن فصلني عن الواقع. ملاحظة التناقض أن تكوني في بلدك وتعايشي واقعك وتؤجلي الكتابة، بكرة، بكتب بكرة، بكتب بكرة، وممكن تمر سنة ولا تكتبين، لكن عند الانفصال والبعد تأتي الرغبة الجامحة للكتابة، وهذه مشكلة كبيرة، فنحن بحاجة إلى أن نلفت الانتباه ونشجع الكتاب والأقلام الموجودة في المهجر ألا تنفصل عن واقع اليمن، لا تنفصل عن حتى مستقبل البلد، يعني، وللأسف أكثر الذين يخرجون هم أصحاب الفكر، والعقول للأسف الشديد. فيجب أن نجد طريقة لنشجعهم على استمرار ارتباطهم بالوطن وعدم الانفصال الروحي، فالانفصال الروحي للكاتب عن بلده مشكلة.. وأنا أرى شبابًا يقولون" خلاص أنا لن أرجع لليمن . لابأس لا ترجع لكن لا تنفصل عن بلدك، لازم تظل مرتبطًا به روحيًا خاصة إذا كنت صاحب قلم.

هل لهذا نجد افتقارًا في صناعة الأفلام الواقعية والتي تمس حال المواطن اليمني وتعالجه؟

بين الكاتب والسيناريست والمخرجين الموجودين في الخارج والداخل لابد أن يكون هناك تجسير لماذا؟ الذي في الخارج عنده إمكانيات أكثر وعنده وسائل أكثر وأحدث والذي في الداخل متعايش مع الواقع ويعرف ماذا يمكن أن يناقش؟ لكن ربما لا يملك التقنيات الحديثة والأجهزة الحديثة، لاوجود للوسائل ولا الدعم، في عملية التجسير بين الكتاب والسيناريست والمخرجين والفنانين الموجودين في الخارج والداخل ضرورة جدًا ولابد على المؤسسات الثقافية أن تتبنى ذلك كمثال، نحن مثلاً في المنظمات التي تقودها نساء وتعمل في مجال بناء السلام، كمنظمتي مثلاً، "منظمة مدرسة السلام" متبنية برنامج، وهو التجسير في. مشاركة النساء في عملية بناء السلام، صنع القرار بشكل عام بين النساء القياديات والشابات، نقل التجربة، وعملية الإبداع. الكبار معهن التجربة والشابات يمتلكن الإبداع. فإنتاج السري بينهم الآن الذين في الداخل من الكتاب والمخرجين والسيناريست معهم الواقع ومعهم الذوبان في الواقع والذين هم موجودون في الخارج معهم التقنية والأجهزة والآليات والحرية والدعم، تجسير هذا مهم، لو تتبنوا هذا الشيء يكون مهمًا جدًا.

هل لهذا نجد أن الناتج الدرامي لدينا ممكن أن نقول عنه غير جيد؟

لا، سأخبرك بأمر، نحن يمكن مازلنا في مرحلة إنتاج المسلسل لغرض العائد المادي رقم واحد. يوما ما سنصل لمرحلة أن نعمل المسلسل هذا ليناقش قضية وطن أو قضية اجتماعية معينة أو قضية ثقافية أو حتى سياسية وأجد لها من خلال المسلسل حلاً، لأن المسلسل ليس لغرض العرض فقط بل عرض وحل، صح ولا لأ؟ عندما أصل لهذه المرحلة تصبح المسلسلات أكثر جودة. الآن، الهدف هو أن يعمل مسلسل بسرعة، وبالذات أنه غالبًا ما يأتي الدعم قبل رمضان بفترة بسيطة، وهذه الفترة الزمنية غير كافية للإنتاج، ولو نأخذ مثالاً على ذلك مسلسل لام شمسية، ثماني سنوات يعملون عليه. ويناقشون قضية اجتماعية خطيرة. فنحن عندنا مشاكل، المشاكل في اليمن، لكن بنعمل لها سلق بيض. عرفتي فين النقطة؟ فهي هذه النظرة إلى البعد المالي هو مهم أكيد، لكن لايكون في المرتبة الأولى، لأن التركيز على الجودة، والسرعة، والوقت مهم، ولازم عنصر الوقت والصرف، أي عمل جيد محتاج أنك تصرف عليه. وأيضًا اختيار النوعية المميزة في الكُتاب، في المخرجين واختيارهم، ولو دفع مبلغ جيد من أجل إنتاج جيد بالإضافة إلى موضوع التأهيل، على فكرة. ونحن أيضًا لايوجد لدينا تأهيل، كل عام ينتجون أفلامًا ولايوجد تأهيل للكادر ولا توجد مؤسسات ثقافية رسمية لتأهيلهم.

يوجد في مصر عدد لا بأس به من الكتاب والمنتجين، وتوجد هنا مراكز متخصصة للتأهيل ولكن مع هذا لانجد أي دعم أو تأهيل لهم.. ما السبب في رأيك؟

شوفي يا حبيبتي. نحن في اليمن رجعنا إلى المربع الأول فبالتالي محتاجين للتدريب، محتاجين للتأهيل، محتاجين للتوعية، محتاجين لكل شيء، كمثال هديل مانع. كمية عمليات القمع التي تحدث غير منطقية، هذا يولد لدى الممثل شعورًا بعدم وجود مساحة حرية وقلق من النقد كبيرة، إلى جانب الاحتياج إلى توعية المجتمع، وأيضًا الفنان لابد من توعيته، لكن لو أخذت الفنان وألهبتي وعيه وأفهمتيه أنك صاحب رسالة ويمكن أن توصلها للجمهور وتؤثر عليهم بطريقة صحيحة وفعالة. تعرفي كمان هناك أمر آخر وهذه على فكرة ليست فقط في التمثيل والفن، حتى في العمل المدني، إنه الكبار خلاص يركنوا على جنب، ((خلونا نأخذ الشباب)) الشباب للأسف فيهم نقطتين الغرور، محطم الغرور، وعدم احترام الكبار. خذ منه التجربة يا أخي، خلينا نجيب شباب كذا وكذا، والنتيجة تكون أعمال .......، هذه مشكلتنا، الوعي، التدريب، التأهيل. رجعنا للأسف الشديد لنقطة الصفر، مع أنه كان معنا مسلسلات يمنية قوية كمثال دحباش قبل 20 سنة، لا تزال بصمة لليوم، وكيني ميني وغيرها من المسلسلات القوية.

الحرب في اليمن أفرزت العديد من القضايا التي تصلح لتكون أفلامًا ومسلسلات ترصد وتؤرخ لهذه المرحلة؟ مالذي تعتقدين ينقصنا.. هل كُتاب أو مخرجين أو سيناريو أم ماذا؟

الحرب في اليمن، كما في أي صراع طويل ومعقد، خلقت واقعًا مليئًا بالقصص الإنسانية المؤلمة والمعقدة، والتي يمكن أن تتحول إلى أعمال فنية مؤثرة، ولكن الواقع أن هناك الكثير من التحديات التي نواجهها في تحويل هذه القصص إلى أفلام أو مسلسلات قادرة على أن تكون شاهدة حقيقية على هذه المرحلة.
أعتقد أن القاعدة الأساسية التي تنقصنا هي الكتابة الجادة، فحتى وإن كان لدينا مخرجون قادرون على تحويل المشاهد إلى صور مؤثرة، فإن السيناريو الجيد هو الذي يمكن أن يعبر عن عمق التجربة الإنسانية، لدينا العديد من القصص الحية التي يمكن أن تتحول إلى سيناريوهات مميزة، لكن هذه القصص بحاجة إلى قلم مبدع قادر على تقديمها بواقعية، دون التلاعب بالأحداث أو تزيينها، فالقضية اليمنية معقدة، وما نحتاجه هو كتابة حقيقية تتعامل مع الأبعاد النفسية والاجتماعية للأفراد في زمن الحرب.
أما عن المخرجين، فنحن بحاجة إلى مخرجين مبدعين قادرين على إبراز التوترات النفسية والإنسانية، لأن الصراع في اليمن ليس فقط صراعًا عسكريًا، بل هو صراع داخلي، سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي، المخرجون الجدد قد يكونون قادرين على تقديم أفكار مبتكرة، لكننا أيضًا بحاجة إلى موارد مناسبة ودعم تقني ومالي لإنجاز هذه الأعمال، لأن الصناعة السينمائية تحتاج إلى ميزانيات تسمح بالتفاصيل الدقيقة.
من المهم أن نذكر أن الدعم المؤسسي مهم جدًا، سواء من الحكومة أو من المنظمات الثقافية والفنية، لتوفير الإمكانيات اللازمة للمخرجين والكتاب، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك منصات تمكن هذه الأعمال من الوصول إلى جمهور أكبر، سواء في اليمن أو على مستوى مميز عربيًا ودوليًا.
وأخيرًا، نحتاج إلى الاهتمام بالأرشيف السمعي البصري، ليس فقط في السينما والدراما، ولكن أيضًا في الوثائقيات والمقابلات الحية مع الذين عاشوا الحرب بشكل مباشر، هذا سيعطي صورة شاملة للمرحلة التي تمر بها البلاد ويمنحنا أداة قوية لتوثيقها.
وهذا دوركم كإعلاميين.

بما أنك تعملين في جانب السلام ما الذي تحتاجه اليمن لتخطو خطوة نحو الأمام؟

أنا لا أؤمن بالحزبية، ونحن في اليمن مشكلتنا الحزبية، هذا مرتبط بسوريا وهذا مرتبط بإيران، وهذا مرتبط بالحزب الفلاني ...... يجب أن نكون مرتبطين بشكل أكبر باليمن، نحب بلادنا، سنجتاز كل شيء. صدقيني للأسف الشديد لا أحد يحب بلده، أنا أتألم لما أنا هنا في القاهرة مثلاً. ظاهرة خطيرة إن شاء الله يكون في سلام، ونرجع نجد الشباب يصرخ لا أنا لا أريد أن أرجع سأعيش هنا! هذا شيء خطير، فأنتو حبوا اليمن. حتى لو أنت في أمريكا أو في أي مكان في العالم... أنا مثلاً عندي إقامة دائمة في كندا، أذهب هناك لكن أشعر بالغربة. وأرجع بلدي ثاني، فعززوا الانتماء لبلدكم وأحبوا بلدكم، يكون عندك هوية يمنية، حقيقةً، نحن بحاجة إلى غرس الهوية اليمنية في نفوس جيل الشباب وبحاجة لمصالحة وطنية، نحن بحاجة لأن نجلس على طاولة الحوار، الحل العسكري أوجد حلاً، لا، عشر سنين نتقاتل، إذن الحل نجلس على طاولة الحوار، بنية صادقة للخلاص، عندنا نية صادقة أن نخلص من هذا الوضع. وفي نفس الوقت، عدم الانجرار إلى الإملاءات الخارجية، وأن نقبل أن تكون اليمن ساحة للصراع الدولي والإقليمي. وإلا سنبقى في صراع لن ينتهي.

كيف تصفين الوضع الحالي للمشهد الثقافي في اليمن؟

المشهد الثقافي في اليمن اليوم يتسم بتحديات كبيرة ولكنه يحمل في طياته أيضًا جوانب من الأمل والاستمرار ، يمكن وصف الوضع الحالي للمشهد الثقافي اليمني من خلال مجموعة من النقاط التي تعكس واقع الثقافة والفن في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد:
1. حالة التحدي والانكماش
بسبب الحرب المستمرة والظروف السياسية والاقتصادية الصعبة، تعرض المشهد الثقافي في اليمن لضغوط هائلة، حيث تراجع النشاط الثقافي بشكل ملحوظ، فالمؤسسات الثقافية والهيئات الحكومية المعنية بالشأن الثقافي تعرضت للتدمير أو التدهور، ما أدى إلى صعوبة في تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية.
2. القضايا الثقافية والحريات
في ظل الأوضاع السياسية الحالية، يُلاحظ تزايد الرقابة على العديد من الأعمال الأدبية والفنية، في بعض الأحيان، تُستَهدَف الأصوات المعارضة أو التي تدعو إلى التغيير أو التي تتناول قضايا مسكوتًا عنها، هذا يخلق حالة من الرقابة الذاتية لدى بعض الكُتاب والفنانين، خوفًا من التضييق أو القمع.
3. الحفاظ على الهوية الثقافية
بالرغم من كل التحديات، يواصل الكتّاب والفنانون اليمنيون التعبير عن الهوية الثقافية للبلاد، محاولين الحفاظ على التقاليد والفنون الشعبية مثل الشعر، والموسيقى، والرواية والفن التشكيلي، حتى في أصعب الظروف، نجد هناك محاولات مستمرة لإحياء التراث اليمني، سواء عبر الأشكال الأدبية أو الفنية، على الرغم من التدمير الذي طال الكثير من المعالم الثقافية التاريخية في المدن، لا يزال الوعي الثقافي اليمني حاضرا في الممارسات اليومية للمجتمعات المحلية.
4. الهجرة وتشتت الإبداع
لقد فرضت الحرب الهجرة القسرية على العديد من الفنانين والأدباء اليمنيين، مما أدى إلى تشتت الإبداع الثقافي، فبعض هؤلاء الكُتاب والفنانين أُجبروا على الرحيل إلى الخارج، ما أفقد اليمن جزءًا من طاقاته الإبداعية في الداخل، لكن في المقابل، العديد منهم واصلوا إنتاج أعمال أدبية وفنية من المهجر، وأصبحوا صوتًا مميزًا في المشهد الثقافي العربي والعالمي.
الخلاصة:
المشهد الثقافي في اليمن اليوم في حالة من الانكماش والضغوط، لكنه يحمل روحًا من المقاومة والإبداع، الكتاب والفنانون اليمنيون يواجهون تحديات كبيرة، لكنهم ما زالوا مستمرين في محاولاتهم للحفاظ على الهوية الثقافية والقيام بدورهم كوثيقة حية لهذه المرحلة الصعبة، العمل الثقافي اليوم يتطلب دعمًا مؤسسيًا، وتضافرًا بين المؤسسات الحكومية والمنظمات الثقافية، بالإضافة إلى دعم الفنانين والكتّاب المحليين والدوليين لتمكينهم من إيصال صوتهم إلى العالم.

إقليم الجند من وجهة نظرك كيف يمكن إعادة دوره كمركز إشعاع ثقافي وفني وأدبي ليكون نموذجًا لبقية الأقاليم؟

إقليم الجند، بما يمتلكه من تاريخ ثقافي وثراء تراثي، يُعدُّ من الأقاليم اليمنية ذات الإمكانيات الكبيرة في إعادة إحياء دورها كمركز إشعاع ثقافي وفني وأدبي، في رأيي يمكن لهذا الإقليم أن يعيد تألقه الثقافي والفني من خلال مجموعة من المبادرات التي تشمل الدعم المحلي والوطني، بالإضافة إلى التنظيم المجتمعي والتعاون مع الجهات الثقافية الدولية من خلال إعادة بناء الهوية الثقافية للمنطقة، وإقليم الجند بحاجة إلى مرافق ثقافية تكون مركزًا لجذب المثقفين والفنانين، وإنشاء مكتبات عامة، مسارح، ومراكز فنية تساهم في خلق بيئة مناسبة للإبداع، هذه المرافق يمكن أن تحتضن المعارض الأدبية والفنية، وتعمل على تنظيم الفعاليات الثقافية مثل المؤتمرات الأدبية والورش الإبداعية، كذلك مهم تشجيع الكتاب المحليين والفنانين على تقديم أعمالهم في بيئة داعمة، من المهم مثلاً إقامة جوائز أدبية وفنية خاصة بالإقليم لتشجيع الإبداع، يمكن أن تكون هذه الجوائز محفزًا للكتّاب والفنانين من إقليم الجند، بل ومن باقي الأقاليم اليمنية، للتعبير عن تجاربهم الثقافية، هذه الجوائز قد تشمل الشعر، الرواية، الفن التشكيلي، والموسيقى....
والأهم ومن أجل أن يصبح إقليم الجند نموذجًا يُحتذى به، يجب أن يُنظر إلى هذه المبادرات الثقافية على أنها جزء من تعاون موسع بين الأقاليم اليمنية، ويمكن أن تُنظم معارض مشتركة، فعاليات ثقافية متبادلة، ورحلات تعليمية ثقافية بين الجند وأقاليم أخرى لتبادل الأفكار والخبرات، تتبناها مؤسسات ثقافية في الإقليم ، كما يعد من الأهمية بمكان ولإحياء الثقافة والفن في الجند، لا بد من تشجيع الشباب على الانخراط في الأنشطة الثقافية، كما يمكن إنشاء أندية ثقافية ومراكز إبداعية خاصة بالشباب لتطوير مهاراتهم في الكتابة، المسرح، السينما، الرسم، وغيرها، حيث ستساهم هذه الأنشطة في بناء جيل مثقف يواصل تطوير الثقافة في الإقليم.

محافظة إب لديها العديد من الأقلام ومع هذا نجد أن هناك افتقارًا للمعلومات عنها، ما السبب في ذلك؟

الجمال يولد جمالاً. إب بلد جميلة. وتعتبر اللواء الأخضر ومن أجمل مناطق اليمن، لكن للأسف الشديد، هناك نقطتان كان لهما التأثير الكبير:
أولاً كثرة الهجرة، أغلب المواطنين يسافرون للخارج سواء إلى أمريكا أو بريطانيا أو كندا ...... إلخ، وهناك تأخذهم مطحنة الحياة للأسف الشديد، مع ذلك لا نستطيع أن ننكر أن أجمل الأقلام، وجدت في إب كأمثال زيد مطيع دماج وغيره كثير من الكتاب.
الأمر الثاني تأثير تعز على إب، يعني تعز ما شاء الله هي منارة ثقافية لإقليم الجند، والإعلام كان له دور كبير جدًا في إبراز تعز كمنارة الثقافة لليمن، وهذا صحيح، لكن ذلك أثر على إب كثيرًا، وأيضًا عدم التسليط الإعلامي. أنا أرى أنه حتى الآن مثلاً في كاتبات وكُتاب من إب كثير لكن لايوجد تسليط ضوء عليهم، فهذا دور الإعلام قد تكون سياسة معينة أن يتم تسليط الضوء على منطقة معينة أكثر، وظهورًا وإنتاجًا في الجانب الثقافي، بالإضافة (كما أرى أننا كسالى)، أنا أقولها لك بصراحة. كسالى.. يعني أنا لم أكتب منذً أربع سنوات، أو خمس سنوات، وكل يوم أريد أن أكتب وأنا شبه متفرغة يوميًا، خلال هذه السنة هنا كتبت أربع أو خمس قصص قصيرة، لذا هي كما قُلت الهجرة تلعب دورًا كبيرًا، التسليط الإعلامي، غلبة مكانة تعز الثقافية على إب وهما جارتان فيحدث تأثير.
كمثال عندما يكون هناك اثنان إخوة، تقول لواحد منهم أحمد ومحمد، مثلاً أحمد أنت شاطر، أحمد أنت كذا، محمد يتأثر، وهذا ماحدث بين إب وتعز.

ماالنصيحة التي ممكن أن تقدميها ليتم إنعاش دور إب؟.

إب لها ميزة. فالمغتربون في إب عندهم المادة، فأنا أقول لهم يجب أن تشعروا بحبكم لإب لايكون ذلك ببناء القصور والبيوت،لا بل يجب أن يتم عمل بنية ثقافية ،مراكز ثقافية، مسارح، معاهد فنون، شجعوا الكتاب والروائيين، تبنوا مؤسسة، مثل مؤسسة السعيد في تعز، لها دور كبير جدًا في إبراز الأقلام من تعز، لماذا لاتكون لدينا مؤسسة مشابهة في إب؟ أيضًا الدولة، وزارة الثقافة يجب أن تركز على إب لأنها منارة ومنطقة جغرافية مستنيرة، وبالتالي عندها حرية الكتابة نوعًا ما، والجمال يخلق الجمال، لكن اهتموا، بعمل تدريب وتأهيل (التجار، المجتمع المدني، المؤسسات الثقافية) كل هؤلاء، اعملوا جوائز، جائزة الرواية، جائزة إب في الشعر، وإن كان صعبًا على الأرض بالإمكان عملها أون لاين، صحيح أن العمل الأدبي "لا يؤكل عيش"، لكن على الأقل شجعني. معنويًا، كي أستمر في العطاء، حتى لو جائزة بسيطة.
أنا عندما فزت بجائزة الدكتور عبد العزيز المقالح لم أكن أعلم بذلك، فتفاجأت في 2011 و2012 كنت ذاهبة للمكتبة والدبابة خلفي... وضع صعب وإذا بمكتب الدكتور عبد العزيز المقالح يتواصلون معي أن الدكتور يريدني لأمر مهم، ذهبت له وقال لي لماذا لاترشحي الرواية للجائزة، مازال هناك وقت فنحن مازلنا نجمع الترشيحات؟ قلت له حقيقة هي أول رواية ولا أشعر بأنها قوية بما فيه الكفاية لترشح، وطبعًا كان الدكتور هو من كتب مقدمتها ، فرد علي أنها من أجمل ما قرأت في هذه الفترة، وسعدت كثيرًا بها ليس بالجانب المادي لأنه كان رمزيًا، بل بالجانب المعنوي، فهذا حفزني كثيرًا لكتابة رواية أخرى، بدأت فورًا بكتابة ثورة مهيوب.
ولم تكن إب محافظة وحيدة، تهامه أيضًا مهملة رغم أنها تحوي أقلامًا مميزة والمحويت أيضًا.
وإذا طرحنا الأمر للنقاش، الرد جاهز "نحن في حالة حرب وهذا ليس الوقت المناسب".. بالعكس فنحن في السنة العاشرة من الحرب، والإبداع يولد من رحم المعاناة والصعوبات..فأنتم كمؤسسات ثقافية، كجمعيات ثقافية اهتموا بأصحاب القلم . .

كلمة أخيرة؟
أختتم بكلمة مؤمنة بقوة في قدرة الثقافة والفن على أن يكونا شعاعًا للنور في أحلك الظروف، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه اليمن، ما زال لدينا إرث ثقافي يعتز به الجميع، وقدرة على الإبداع لا حدود لها، لأن الأدب والفن هما اللغة التي نستطيع من خلالها التعبير عن آلامنا وآمالنا، وبهما يمكننا مقاومة الظلام وفتح أبواب الأمل للأجيال القادمة.
أؤمن أن الشعب اليمني، بكل تنوعه وثرائه الثقافي، يمتلك قوة التغيير، وأنه من خلال العمل المشترك والإبداع المستمر، يمكننا إعادة بناء مشهد ثقافي وفني ينبض بالحياة ويظل شاهدًا على إنجازاتنا المستمرة.
فلنبق دائمًا مخلصين لرسالتنا الثقافية، ولنعمل معًا لنكون صوتًا يتردد في الزمان والمكان، ليصل إلى أوسع آفاق العالم...
فأنا سعيدة جدًا بهذه المقابلة،
وإن شاء الله يكون لكلمتي أثر ولو حتى نقطة في بحر. أن يشجع الأقلام الشابة بالذات. أن تكتب، وألا تيأس، وأن تثق، أن بعد كل عسر يسرًا، وإذا حلك الليل وادلهم فهذا إيذانٌ ببزوغ الفجر، إن شاء الله.

أستاذة لمياء الإرياني.. شكرًا جزيلاً باسم مبادرة إقليم الجند على هذه الاستضافة، وهذا الحوار الشيق..

شكرًا لكِ على هذه الفرصة للتعبير والمشاركة في هذه الرحلة الثقافية والفكري

كلمات دلالية
  1. لا يوجد اي تعليق
أضف تعليقا

مواضيع ذات صلة