اليمن ومفترق الطرق: هل نعود إلى ما اتفقنا عليه؟

Email :



منذ أكثر من عقد من الزمان، اجتمع اليمنيون من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية والقبلية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل عام 2013، في تجربة فريدة وواعدة شهد بها الجميع داخلياً وخارجياً، شكّلت بارقة أمل لإخراج اليمن من دوامة الأزمات والانقسامات. ولكن سرعان ما انقلبت تلك الآمال إلى صراعات مسلحة وانقسامات سياسية عميقة، بسبب انقلاب جماعة الحوثي على مخرجات الحوار الوطني والتي وأدخلت البلاد في حرب لم تزل مستعرة حتى اليوم.
لقد جاءت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني بأكثر من ألفي توصية، ركّزت على بناء دولة اتحادية ديمقراطية عادلة، تقوم على مبادئ المواطنة المتساوية، والعدالة الانتقالية، وحقوق الإنسان، وتمكين الشباب والمرأة، وإعادة توزيع السلطة والثروة. كما عالجت قضايا محورية مثل القضية الجنوبية، وقضية صعدة، وهيكلة الجيش، وبناء المؤسسات، بما يعكس حرص المشاركين على معالجة جذور النزاع اليمني.
ورغم التوافق الواسع الذي حظيت به مخرجات الحوار، إلا أن الانقلاب الذي حدث على هذه المخرجات، وغياب الإرادة السياسية لتنفيذها، وتغليب المصالح الضيقة لبعض الأطراف، وظهور الجماعة المسلحة الخارجة عن إطار الدولة، أدّى إلى انهيار العملية السياسية. وإلى تدخلات خارجية إقليمية، وتنافس إقليمي حاد، أسهما كذلك في تعميق الأزمة وتحويلها إلى حرب بالوكالة.
وبعد أكثر من عشر سنوات على هذه الحرب الدامية يبقى التساؤل قائما وملحاً: هل آن الأوان لعودة اليمنيين إلى طاولة مخرجات الحوار الوطني؟ الإجابة تكمن في الواقع المؤلم الذي تعيشه البلاد، حيث الانهيار الاقتصادي، وتفكك مؤسسات الدولة، وتنامي النزعات المناطقية والطائفية. هذا الواقع يعيد تسليط الضوء على أهمية وجود إطار جامع، غير إقصائي، يضمن تمثيل كل الأطراف، وهو ما توفره مخرجات الحوار الوطني.
وإنها لفرصة لإحياء المشروع الوطني من خلال العودة إلى مخرجات الحوار ، وهي ليست مجرد حنين لماضٍ ضائع، بل هي ضرورة لإنقاذ ما تبقى من كيان الدولة اليمنية. فهي وثيقة شاملة تمت صياغتها بيد اليمنيين أنفسهم، ولم تُفرض من الخارج، وتحمل تصورًا واقعيًا للتعايش السلمي وتقاسم السلطة والثروة في دولة اتحادية عادلة.
صحيح أن بعض تفاصيلها قد تحتاج إلى مراجعة وتحديث، لكن الإطار العام ما زال صالحًا كمرجعية سياسية وأخلاقية للخروج من المأزق. وقد تكون العودة إليها مقدمة ضرورية لأي مصالحة وطنية حقيقية.
إن اليمن الذي أنهكته الحرب ومزقته الصراعات، بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مرجعية جامعة تعيد لليمنيين ثقتهم ببعضهم وبمستقبل بلادهم. ومخرجات الحوار الوطني، رغم كل ما تعرضت له من إهمال، تظل أملًا ممكنًا إن وجدت الإرادة الصادقة من كل الأطراف. فهل آن الأوان لأن يضع اليمنيون السلاح جانبًا، ويعودوا إلى ما اتفقوا عليه يومًا كطريق لبناء وطن يتسع للجميع؟


  1. لا يوجد اي تعليق
أضف تعليقا

مواضيع ذات صلة