قلعة سمارة: أبرز الحصون التأريخية في إقليم الجند محافظة إب

Email :



في أعالي جبال اليمن، حيث تتلاقى السحب مع قمم الجبال الشاهقة، وتنسج الطبيعة لوحات من الجمال الآسر، تقف قلعة سمارة شاهدا على قرون من التاريخ العريق، فوق واحد من أعلى المرتفعات في محافظة إب.

تتربع القلعة كعين يقظة تراقب الطرق والسهول، تحكي قصصا من ماض مجيد شهد صراعات السلاطين والأئمة والجيوش العابرة.

تقع القلعة على قمة نقيل سمارة، أحد الممرات الجبلية المهمة التي تربط بين العاصمة صنعاء ومحافظة إب، ومن هناك تمتد الطرق نحو تعز والحديدة، هذا الموقع منحها أهمية عسكرية وتجارية منذ قرون، حيث تحكمت القلعة في مسارات القوافل والتجارة وحركة الجيوش، ما جعلها نقطة نزاع بين قوى مختلفة عبر التاريخ.

يكتنف الغموض تاريخ إنشاء قلعة سمارة حيث لم تحسم الروايات حول زمن بنائها أو هوية منشئها. ذكرت القلعة في كتابات المؤرخ أبو محمد الهمداني في القرن الرابع الهجري كما أشار إليها ياقوت الحموي في معجم البلدان خلال القرن التاسع الهجري واصفا إياها بأنها قلعة تقع على رأس جبل يدعى حيد.

تشير بعض المصادر إلى وجود مسجد داخل القلعة ينسب بناؤه إلى الصحابي معاذ بن جبل مما يلمح إلى قدم المنطقة وأهميتها الدينية.

تتيح القلعة إطلالة بانورامية ساحرة، تمتد على مد البصر نحو المرتفعات الجبلية والوديان الخضراء المحيطة بمحافظة إب، التي تعرف باللواء الأخضر بسبب خصوبة أراضيها وكثرة أمطارها. وتعتبر القلعة واحدة من أبرز المعالم الأثرية التي يمكن للزائر من خلالها أن يطل على تضاريس المنطقة بكل تفاصيلها، وكأنها نافذة مفتوحة على تاريخ طويل من الأحداث والتحولات.

تجسد القلعة نموذجا فريدا للعمارة العسكرية اليمنية التقليدية، حيث تتمتع بجدران حجرية سميكة وسور مرتفع يحيط بها من كل الجهات، وتأخذ القلعة شكلا مستطيلا تقريبا، ويعزز أركانها أبراج دفاعية دائرية كانت تستخدم لمراقبة الطرق المحيطة وصد الهجمات.

يؤدي إلى القلعة مدخل وحيد يقع في الجهة الجنوبية الغربية، يمر عبر طريق منحدرة وضيقة، ما كان يسهل الدفاع عنها في حال أي هجوم. أما في الداخل، فتحتوي القلعة على مسجد قديم يعتقد أنه بني في زمن الصحابي معاذ بن جبل أثناء حملته لنشر الإسلام في اليمن، مما يشير إلى قدم الموقع وأهميته الدينية.

تضم القلعة أيضا عدة مبان حجرية كانت تستخدم لأغراض متعددة، كالمساكن والمخازن ومستودعات الأسلحة، بالإضافة إلى خزانات مياه منحوتة داخل الصخور، مما يظهر التخطيط الدقيق لضمان بقاء القلعة صامدة خلال فترات الحصار.

على مر العصور، لعبت قلعة سمارة دورا بارزا في الأحداث السياسية والعسكرية التي شهدها اليمن، فقد كانت حصنا منيعا خلال فترات تاريخية متعددة. كما كانت موقعا مهما خلال الحروب العثمانية في اليمن، إذ حاولت القوات العثمانية استغلال موقعها الاستراتيجي للتحكم في الطرق المؤدية إلى صنعاء.

ومع تعاقب الفترات التاريخية، استمرت القلعة تلعب دورا في الصراعات الداخلية خلال القرن العشرين، إذ استخدمت كموقع عسكري خلال الحروب التي شهدها اليمن الحديث، ما جعلها محورا في تاريخ النضال اليمني.








رغم القيمة التاريخية والمعمارية الكبيرة لقلعة سمارة، إلا أنها تعاني اليوم من إهمال شديد يهدد وجودها. فقد تعرضت أجزاء كبيرة منها للانهيار بسبب عوامل الزمن والإهمال، كما طالتها بعض أعمال العبث والنهب، وسط غياب جهود حقيقية للحفاظ عليها.

وعلى الرغم من أن الجهات المختصة قد وعدت بترميم القلعة، إلا أن تلك الوعود لم تنفذ حتى الآن، ما دفع السكان المحليين والمهتمين بالآثار إلى رفع أصواتهم مطالبين بضرورة التدخل السريع لإنقاذ هذا المعلم التاريخي.

في ظل المتغيرات التي يشهدها اليمن، تبقى قلعة سمارة رمزا لصمود اليمنيين وإرثهم الحضاري. تقف القلعة فوق قمة الجبل، تتحدى عوامل الزمن والإهمال، تحكي قصصا من البطولات والملاحم، وتنتظر من يعيد إليها مجدها الذي كاد يضيع.

إن الحفاظ على هذه القلعة ليس مجرد صيانة لمبنى حجري، بل هو حفظ لذاكرة أمة وتاريخ شعب ناضل من أجل حريته وكرامته. فهل سنرى يوما هذه القلعة تعود إلى سابق عهدها، شامخة كما كانت، تحرس التأريخ وتحكيه للأجيال القادمة؟
كلمات دلالية
  1. لا يوجد اي تعليق
أضف تعليقا

مواضيع ذات صلة