• الرئيسية
  • كتابات
  • من كتابي: (الدوامة.. حروب الثورة.. الجبهة.. الوحدة.. الإمامة الجديدة).

من كتابي: (الدوامة.. حروب الثورة.. الجبهة.. الوحدة.. الإمامة الجديدة).

الأستاذ بلال الطيب

رئيس تحرير صحيفة الجمهورية في تعز

Email :
مُنذ اللحظة الأولى لقيام الثورة السبتمبرية، وقَعَ الجُمهوريون في شِراك التقديرات الخاطئة لحجم وقوة الثورة المُضادة، ولم يَستعدوا لمُواجهة الإماميين وداعميهم الاستعداد الأمثل، والأشمل، وكانوا - رغم ذلك - مُؤمنين بقدراتهم، واثقين بأنفسهم، حَازمين في ردودهم، وكما كان انتصارهم خلال الليلة الأولى للثورة أشبه بالمعجزة، كان صُمودهم في وجه تلك الهجمة الشرسة أشبه بالمعجزة أيضًا، وهو الصُمود الذي أصاب أعداء الثورة والجمهورية والحياة في مَقْتل.

حين لم يجد الإمام المخلوع محمد البدر أرضًا يمنية يتمركز فيها، ولا قوة قبلية تُسانده، وأدرك أنَّ القوات الجمهورية مُستمرة في مُلاحقته، ولن تتركه يستعيد أنفاسه؛ سارع بالتوجه إلى الخوبة 24 أكتوبر 1962م، متجاوزًا الحدود اليمنية صوب السعودية، واضعًا رهانه على الخارج، وهو الرهان الخاسر الذي كان له ما بعده.
     
والحق يُقال أنَّ الأمير الحسن بن الإمام يحيى كان سَباقًا بذلك الارتهان، فقد توجه فور عِلمه بنبأ قيام الثورة من أمريكا إلى بريطانيا، ثم إلى السعودية 29 سبتمبر 1962م، وأعلن من الأخيرة نَفسه إمامًا، وتلقب بـ (الواثق)، وشكل حُكومة منفى، وقاد بدعم من الملك سعود بن عبدالعزيز - الذي قيل أنَّه طلب منه الحضور - ثَورة مُضادة، وبدأ بمُراسلة مَشايخ قبائل اليمن الشمالية، والشرقية، ونجح بواسطة المال والسلاح في استقطاب عددٍ منهم، وقاد بمساندتهم عمليات هجومية على عددٍ من الحاميات الجمهورية، والثورة لم تتجاوز بعد أسبوعها الأول.
      
دفع ذلك الارتهان الثوار لطلب النجدة من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فأمدهم الأخير بسرية، ثم عززهم - كما سيأتي - بـ 70,000 مُقاتل؛ وهو الأمر الذي دفع الأمير فيصل بن عبدالعزيز إلى القول بأنَّه - أي ناصر - قد خطى خطوة في الظلام!
     
وإلى جانب اعتراف مصر بالنظام الجمهوري، اعترفت سوريا، وقبلها الاتحاد السوفيتي، ثم تونس (سحبت اعترافها فيما بعد)، والجزائر، والعراق، والسودان، ولبنان، ولم ينته ذلك العام إلا باعتراف أكثر من 30 دولة، كانت الولايات المتحدة الأمريكية إحداها.
     
والمُفارقة العجيبة، أنَّه وفي نفس اليوم الذي وصل فيه الأمير الحسن إلى السعودية، قَادمًا من أمريكا، وصل الدكتور عبدالرحمن البيضاني إلى اليمن، قَادمًا من مصر، حَاملًا معه حُزمة قَرارات سيادية جَعلته في الصَدارة، وحلَّ بموجبها نائبًا للعميد عبدالله السلال في رئاسة مجلس القيادة، ورئاسة مجلس الوزراء، إلى جانب شغله منصب وزارة الخارجية، وصار بعودته وعودة الأمير الحسن اللاعب الخارجي هو المُتحكم الرئيس بالمشهد، وأسهمت مِزاجية ذلك اللاعب في تعميق الفجوة بين الفرقاء، كما كان لحالة اللاوفاق الجمهوري والوفاق الإمامي - خِلال الثلاث السنوات الأولى من الحرب - أثره البارز في ترجيح كفة الأخيرين.
     
ناصبت السعودية الثورة السبتمبرية العداء من أول لحظة، وتبنى مجلس وزراءها تشكيل لجنة خاصة، رأسها الأمير سلطان بن عبدالعزيز (مسؤول الملف اليمني)، وأدارت - عبرها - سياستها بدقة، وأمدت الإماميين بالمال والسلاح، وساعدتهم على إنشاء مَراكز قيادة لهم في نجران، وأكد طياروها السبعة الذين انشقوا وتوجهوا بطائراتهم في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر 1962م إلى مصر حقيقة تورطها.
     
كما أنَّ مَواقف وتَصريحات نائب رئيس الجمهورية الدكتور البيضاني النارية، زادت الطين بلة، فهو لم يَكن فقط ضد التفاهم مع السعودية، مُعارضًا لرؤية العقلاء حول هذه الجزئية؛ بل قال أنَّ هدف مصر تصفية الحساب معها، وإنهاء القواعد الأمريكية في أراضيها. يُضاف إلى ذلك البيانات الحماسية التي كانت تذيعها إذاعة صنعاء بين الفينة والأخرى، والتي ما فتئت تُبشر بقيام جمهورية الجزيرة العربية!

وصل عدد القوات المصرية حينها إلى نحو 2,500 جندي، و100 ضابط وصف ضابط، في حين تولى الفريق أنور القاضي قيادتهم، وكان لهم وأقرانهم الذين توالى وصولهم دورٌ فاعل في صد الهجمة الشرسة التي تعرضت لها الجمهورية الوليدة.

وهكذا انقضى الشهر الأول من عُمر الثورة السبتمبرية والمُواجهات في المحاور السابق ذكرها مُشتعلة، وعلى أوجها، باستثناء مِحور قعطبة، وبازدياد تدفق الدعم الخارجي، وسع الإماميون من خَارطة عملياتهم العسكرية، وأوجدوا مَحاور أخرى ثانوية، عملوا من خلالها على تشتيت وإنهاك القوات الجمهورية؛ الأمر الذي جعل الرئيس السلال يُصرح - حينها - بأنَّهم يُقاتلون على نحو 40 جبهة.
     


كلمات دلالية
  1. لا يوجد اي تعليق
أضف تعليقا

مواضيع ذات صلة