• الرئيسية
  • كتابات
  • "رؤية مخرجات الحوار الوطني حول بناء الدولة اليمنية الاتحادية الحديثة"

"رؤية مخرجات الحوار الوطني حول بناء الدولة اليمنية الاتحادية الحديثة"

Email :
"رؤية مخرجات الحوار الوطني حول بناء الدولة اليمنية الاتحادية الحديثة"
ورقة تقييمية من المنظور التاريخي للتجارب السياسية الناجحة
إعداد الدكتور صادق الصفواني
أستاذ تاريخ اليمن الحديث والمعاصر المعاصر
كلية آداب جامعة تعز


تعريف الدولة: هي الأرض والسكان والنظام. والدولة هي مؤسسة كبرى تسعى للمصلحة العامة المشتركة. والدولة لم تتشكل حسب التعريف هذا الا في ق17م (فنابليون كان يقول حينها: أنا الدولة) وقد أشارت بعض المصادر أن معظم دول العالم الثالث حتى الآن تحكم من أشخاص بشكل مطلق.
ففكرة الدولة: جاءت من الإنسان ليتخلص من الخضوع وطاعة أخيه الإنسان، والخضوع لسلطة معنوية قانونية يرتضيها الخاضعون، فقد ذكر بعض المتخصصين ان الأسس الأولى لقيام الدولة التي فيها الإنسان لا يخضع لإنسان مثله ظهرت عند المسلمين في العهد الدعوة والخلافة، وذلك عندما انطلقت الدعوة الإسلامية في تحرير الإنسان من عبادة العباد إلى شرع وعبادة رب العباد.
وأنواع الأنظمة السياسية: 1- نظام جمهوري رئاسي أو برلماني. 2- نظام ملكية مطلق أو ملكي دستوري.

أشكال الدولة: 1- دولة بسيطة وحدة واحدة ذو نظام مركزي خاضع لسلطة مركزية واحدة. 2- دولة مركبة اتحادية كفدرالية او فدرالية لا مركزية، في الدولة الفدرالية يجمع بين أقاليم عوامل مشتركة تدار مركزيا : 1- دستور. 2- تشريع. 3- قضاء. 4– جيش يحمي السيادة. 5- سياسة خارجية. 6- موارد سيادية.
وعن مدى اثر الموقع الجغرافي لنوع النظام وشكل الدولة هناك نظرية تفيد ان البلدان قليلة الموارد، وفيها الإنتاج والضرائب متقلبان غير مستقران، لم يستعبد فيها الإنسان ولم تدوم سلطة مركزية فيها مدة طويلة، فكثيرا ما تحدث في مثل تلك البلدان عبر تمردات وثورات وانقلابات، وكثيرا ما تخرج عن سلطة المركز الإطراف بالذات عند ما تبدأ بواد ضعف المركز عسكريا وماديا، والحالة العربية منها بلاد اليمن ينطبق عليها هذه النظرية كما يحدثنا التاريخ السياسي .
فقد دلت المصادر التاريخية ان اليمن في تاريخها السياسي الطويل عرفت النظام الاتحادي اللامركزي والنظام المركزي. وهنا سنقدم نبذة تاريخية عن الأنظمة السياسية التي حكمت بها اليمن عبر التاريخ وأيهما أفضل ليمكننا تقييم ما طرحته وثيقة مؤتمر الحوار حول بناء الدولة، والنبذة التاريخية كالأتي:
1- اللقب القديم للحاكم السبئي دليل قيام دولة اتحادية في التاريخ القديم بل ازدهرت الدولة واستمر الحكم مستقر حوالي 1500 عام منذ ذكرت ملكة سبأ في التوراة في ق10 قبل الميلاد حتى حكم ذو نواس الحمير، الذي تلقب بملك كل الشعوب وفرض الدين اليهودي بالقوة.
2- أعمدة مأرب الستة رمز في اعتقادي بأنها رمز للستة الكيانات الاتحادية التي اتحدت لا مركزيا بقيام إمبراطورية اتحادية بين الكيانات اليمنية والحبشة.
3- أشارة القرآن الكريم بلسان ملكة سبأ يا أيها الملأ، دليل ان اليمن كانت تحكم بالنظام البرلماني شوروي لا مركزي. ويمكن القول بأن الاستنتاج المنطقي لهذه الاستدلالات بان اليمن في تاريخها القديم كما يبدو تعد أول بلدان العالم التي حكمت بالنظام الاتحادي الا مركزي، وأن ذلك الاستقرار جاء نتيجة المصالح الدنيوية لا الدينية.
وبعد دخول بلاد اليمن تحت ظل دولة الإسلام وبدأ عصر الوصول الى الحكم بالغلبة من قبل سلاطين الدويلات والأئمة عاشت بلاد اليمن حالة من عدم الاستقرار السياسي فسمعنا عن خضوع الشعب اليمني لعدد كبير من تلك الدويلات المحلية والأجنبية المتقاتلة والمتصارعة باسم الإسلام للوصول للسلطة، لذلك كما يبدو ان الحالة اليمنية منذ تفكك الدولة العباسية حتى خروج العثمانيين الأتراك من اليمن عام 1918م لم تشهد استقرار ولا ازدهار حضاري باستثناء فترة قصيرة، عرفت في عهد الدولة الرسولية.

والسؤال الذي يطرح نفسه متى بدأت المطالبة بفكرة الدولة الاتحادية اللامركزية والنظام البرلماني في اليمن في ق20م؟ للإجابة على ذلك بشكل مختصر يمكن عرضة بشكل نقاط كالأتي:
1- الانجليز قبل سيكس بيكو ومطالب الثورة العربية الكبرى، طرحت فكرة من قبل خبراء في قيام اتحاد يمني أو عربي كمنحة استحقاق لاعلان الثورة العربية الكبرى كما تشير الوثائق البريطانية، غير ان الساسة الانجليز وجدوا أن ذلك يتناقض مع السياسة الاستعمارية، الذين وجدوا بتمزيق بلاد العرب واليمن نفسها إلى كيانات ودعم كيان على أخر(سياسة فرق تسود) هو السبيل لبقاء الاستعمار طويلا.
2- الثعالبي: هو زعيم تونسي وصل الى اليمن سنة 1923م وحاول التنسيق بين سلاطين الجنوب والإمام لإقامة اتحاد يمني، وافق السلاطين لكن الإمام يحيى وجد النظام الاتحادي انتقاص وتناقض مع سلطاته الدينية الإمامية المطلقة فرفض الفكرة.
3- الثورة الدستورية 1948م وحركة الأحرار طرحت فكرة النظام الملكي الدستوري أي الحكم البرلماني الشوروي في الميثاق الوطني المقدس، غير ان فشل الثورة افشل الفكرة.
4- الاتحاد اليمني المعارض: فكرته بدأت من حركة الأحرار اليمنيين في عدن بعد فشل ثورة 1948م، وهو عبارة عن تنظيم سياسي مناهض لحكم الإمام احمد حميد الدين في شمال اليمن يهدف الى قيام دولة دستورية لا مركزية تسعى لإسقاط الإمامة وطرد الاستعمار من الجنوب، فتزعم كل من الاحمدي ثم الاسودي الاتحاد اليمني في عدن، وتزعم كل من الزبيري والنعمان فرع الاتحاد في القاهرة، ولم ينتهي الاتحاد الا بقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م.

وفي التاريخ المعاصر وجدت عوامل كانت تدفع اليمنيين الى قيام دولة اتحادية لا مركزية وذلك منذ بدأت بواد الصراع على السلطة بين قطبي الوحدة اليمنية الاندماجية بين الشمال والجنوب سنة 1990م، عندها طرحت فكرة الدولة الاتحادية اللامركزية من أربعة أقاليم وتقليص سلطات الرئيس لحل الخلاف، وذلك في وثيقة العهد والاتفاق سنة 1994م، غير ان الظروف السياسية المحلية والدولية كانت مؤتية لصالح طرف على أخر، الأمر الذي أدى الى فشل المشروع الاتحادي، واستمرار الدولة البسيطة المركزية، مع انفراد حزب بالقبض على السلطة أمام تدهور أحزاب المعارضة. وخلال المرحلة المعاصرة هذه حتى قيام ثورات الشباب في 11 فبراير يمكن ان نعدد بواعث جعل جميع مكونات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل يتفقون على قرار قيام دولة يمنية مدنية اتحادية (فدرالية) لا مركزية كمخرج وحل ينهي الصراعات على السلطة في اليمن. من تلك البواعث:
1- الدراسات والبحوث العلمية الناتجة عن الواقع اليمني المعاصر كما تقدم.
2- مطالب المعارضة والنظام السابق نفسه للنظام الأقاليم والحكم البرلماني كتهيؤ نفسي فأصبح وصفة علاجية مقبولة.
3- ثورة الشباب من أهم أهدافها قيام دولة مدنية حديثة وهذا لا يتحقق الا بنظام ديمقراطي ذو نظام برلماني لا مركزي.
4- التجارب الدولية الناجحة، فقد اتضح أن 27 دولة في العالم تحكم بنظام اتحادي(فدرالي) ومعظم تلك الدول قوية وغنية ومستقرة سياسيا منها (الولايات المتحدة- روسيا- بريطانيا- اليابان- المانيا- ايطاليا- استراليا- سويسرا- الهند- اثيوبيا- ماليزيا- اندنوسيا- الامارات العربية المتحدة)
5- هناك تجارب دول في طور التكوين للنظام الاتحادي واتضح ان من عوامل عدم سرعة استقرارها وازدهارها هي النزاعات المسلحة التي شهدتها وقصر تجربة التطبيق، والدول مثل: السودان- العراق- البوسنا والهرسك-
وهنا يمكن معرفة من الذي كان يناهض فكرة النظام البرلماني والامركزي الاتحادي في البلاد العربية واليمن على وجه الخصوص:
1- التخلف وعدم وعي المثقفين والساسة والشعوب.
2- الاستعمار.
3- الأنظمة الملكية المطلقة.
4- الجمهوريات العسكرية المركزية باسم الوطنية والقومية لحرب إسرائيل.
5- السلطات التقليدية القديمة ممثلة: 1– الشخصنة. 2- النظام الأبوي. 3- العادات والتقاليد. 4- تمجيد القديم انطلاقا من ما فيش بالإمكان أفضل مما كان. 5- أصحاب المصالح المتضررة. 6- القرار السياسي.

ومن تلك التجارب الناجحة والقراءة التاريخية لفترات ازدهار اليمن القديم اتضح للمفكرين اليمنيين وأصحاب الحدس ان النظام الاتحادي هو أفضل الحلول لعودت الشعب اليمني في موقعه المنافس بين الأمم كما كان، وزاد يقين أولئك المفكرين والخبراء بفشل الدولة البسيطة المركزية في اليمن خلال ق20 بالذات لاستمرار الصراع بين المركز والأطراف في حال ظهور بوادر الضعف في المركز، وعدم تجسيد العدالة والمساواة فئويا ومناطقيا وتصفيات وإقصاء، وقصر عمر كل سلطة حكمت اليمن شماله وجنوبه وذلك نتيجة الثورات والانقلابات وقتل الحكام سواء في العهد ألإمامي او الجمهوري في الشطرين.

من ذلك اتضح ان أي حاكم او نظام يصل الى السلطة المركزية خلال الفترة الماضية كان يحمل بوادر سقوطه، وكان هذا الأمر يؤرق المتربعون على السلطة أنفسهم فلجأ معظمهم في البداية الى تحالفات مع قوى، تكون تعارض مصالحها معه في الغالب سبب سقوطه.
وقبل تفنيد أسس بناء الدولة لا بد من مدخل للتعرف على عدد مكونات مؤتمر الحوار وعدد الفرق، فعدد المكونات 14 مكون حزبي ومنظمات مجتمع مدني وشباب ومرآة وغيرها، وتناول مؤتمر الحوار 9 قضايا رئيسية هي:1- القضية الجنوبية. 2-قضية صعدة. 3- العدالة الانتقالية. 4-بناء الدولة. 5- الحكم الرشيد. 6- بناء الجيش والأمن. 7- استقلال الهيئات. 8- الحقوق والحريات. 9- التنمية الشاملة.
ومن وثيقة مخرجات الحوار نجد ان القضية الجنوبية وقضية صعدة والعدالة الانتقالية كانت عوامل قوية أكثر من غيرها في إحداث التحول السياسي في البلاد من توافق ونجاح الحوار بقبول قيام دولة اتحادية، بل وتعد الضامن الحقيقي الى جانب المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن وضمانات مؤتمر الحوار لنجاح صياغة دستور يحقق للشعب مشروع بناء الدولة المنشودة.

أسس بناء الدولة اليمنية
1- موجهات الدستور: أسس سياسية – أسس اقتصادية – أسس اجتماعية.
2- هوية الدولة يمنية عربية إسلامية دينها الإسلام مصدر التشريع، وتقنينها محصور بالمجلس التشريعي، مكونة من ثلاث هيئات منفصلة السلطات. تكفل حرية الرأي والتعددية الحزبية.
3- شكل الدولة اتحادية فدرالية لا مركزية مكونة من 6 أقاليم.
4- نظام الدولة جمهوري رئاسي لدورتين انتخابية ثم برلماني إذا اقتضت حاجة تعديل الدستور.
5- النظام الانتخابي: في مجلس النواب (القائمة النسبية المغلقة، 30% للمرأة و50% للجنوبيين في الدورة الانتخابية الأولى، وموافقة 5 الف مواطن لترشيح المستقل من نفس الدائرة)
6- السلطة التشريعي: تتكون من مجلس النواب + المجلس الاتحادي = الجمعية الوطنية.
مهام مجلس النواب الرقابة والمحاسبة والتشريع وبعض التعيينات. أما المجلس الاتحادي ينتخب عن الأقاليم لا يزيد عن نصف النواب ومهامه (إقرار بعض القوانين والمصادقة على تعيينات الهيئات المستقلة التنفيذية والقضائية، اقتراح تعديل الدستور. ودورة المجلسين أربع سنوات، والثانوية العامة حد أدنى للترشح.
7- السلطة القضائية: تتكون من ثلاثة مؤسسات هي: 1- مجلس أعلى للقضاء منتخب 70%من أعضاء القضاء و30% من المحامون وحقوقيو الجامعات، ومهامه اصلاح القضاء واقتراح التشريعات وتعين القضاة وأعضاء النيابة وترقيتهم ومحاسبتهم. 2-المحكمة الدستورية مستقلة ينتخب بنفس آلية المجلس الأعلى، ومهام المحكمة الرقابة على دستورية القوانين واللوائح والقرارات، الفصل في الإحكام، الفصل في الاختلاف بين الأقاليم او المركز والأقاليم. 3-قضاء إداري ربما معين مهمته الفصل بين المنازعات الإدارية. ويشترط على شاغلي مناصب القضاء عموما عدم الانتماء الحزبي او التحيز لأي جهة.
8- النظام الإداري: لا مركزي المالي والإداري على مستوى الاتحاد او الإقليم والولايات والمديريات، ويتم انتخاب الجهاز الإداري ويخضع لرقابة حكومة الإقليم.
9- لجنة صياغة الدستور: حددت 17 عضو مؤهلين جامعيا وذو اختصاص وخبرة، ومهمتها فنية.

وختاما يمكن تقييم رؤية مخرجات الحوار في مقررات بناء الدولة انطلاقا من القراءة التاريخية والسياسية للتجارب الناجحة السابقة:
1- يمكننا القول: ان معظم فرق الحوار قد تطرقت بشكل مباشر وغير مباشر لأهمية بناء مخرجات حوار تؤسس لقيام دولة يمنية حديثة يعزز فيها جانب المواطنة والشراكة والانتماء من خلال بناء دولة مؤسسية ينهي فيها بواعث الصراعات سعيا للاستقرار والبناء، وتعد مقررات بناء الدولة ووثيقة ضمانات حل القضية الجنوبية وبنود قضية صعدة والعدالة الانتقالية جميعها تصب في بناء الدولة اليمنية الحديثة المنشودة.
2- انطلقت الرؤيا لبناء الدولة الاتحادية اللامركزية من المثيل المناسب واستفادت من التجارب الناجحة سواء العربية او الإسلامية او العالمية، حيث كان المنهج الاستردادي والاستدلالي في التعرف على أفضل التجارب الناجحة والمناسبة مع خصوصيات اليمن.
3- ان النظام الاتحادي اللامركزي السياسي والإداري يعد من ابرز مقومات الدولة المدنية الحديثة واهم مقومات العدالة والمساواة وترسيخ النهج الديمقراطي.
4- ان مخرجات بناء الدولة ستحقق مشاركة أبناء الشعب في السلطة والثروة والتنمية.
5- ان النظام الاتحادي كان عامل من أهم عوامل تقدم الدول وله دور كبير في بناء الشعور الوطني وحب الانتماء.
6- سيساعد النظام الاتحادي اليمني في تدفق رأس المال الوطني المهاجر والأجنبي للاستثمار في اليمن.
7- أن النظام الاتحادي الفدرالي سيعزز الوحدة الوطنية ويحافظ على الوحدة وسينهي الصراعات والانقلابات والثورات ويطيل من عمر النظام.
8- سينهي النظام الاتحادي حالات الغبن والإقصاء والتهميش والتفاوت المناطقي والفرقة بين أبناء اليمن إلى الأبد.



كلمات دلالية
  1. لا يوجد اي تعليق
أضف تعليقا

مواضيع ذات صلة